الأحد، 25 مايو 2008

المرتدون فى الارض

المرتدون فى الارض
بقلم/ شريف رمزى المحامى
منذ أن أعلن "محمد حجازى" اعتناقه للمسيحية، وقيامه برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية مطالباً بتغيير ديانته رسمياً_ فى سابقة لم تحدث من قبل _ والجدل يدور فى الشارع المصرى وفى أروقة رجال الدين والمثقفين وفى وسائل الإعلام المختلفة، الكل يدلى برأيه حسبما يراه..البعض اعتبر القضية برمتها مخططاً صهيونياً يستهدف الإسلام والمسلمين، والبعض اعتبرها قضية تمس المواطنة وحرية الفكر والأعتقاد التى كفلها الدستور، وبين هذا وذاك تعالت الأصوات المنادية بالإحتكام للشريعة الإسلامية وتطبيق "حد الردة" على "محمد حجازى" واى شخص تسول له نفسه بان يحذو حذوه!!
والردة فى مفهوم الفقه الإسلامى تعنى الرجوع عن الإسلام، ويكون هذا باحد مظاهر ثلاثة : القول والفعل والإمتناع عن الفعل، والقول : صدور قول عن المسلم هو كفر بطبيعته، والفعل : أن يأتى المسلم فعلا يحرمه الإسلام تعمداً واستخفافاً به أو عناداً ومكابرة، والإمتناع عن الفعل : أى الإمتناع عن فعل يوجبه الإسلام مما علم عن الدين بالضرورة إنكاراً أو جحوداً ..
ونظرة موضوعية لهذا التكييف الفقهى تجعلنا _ والحال هكذا _ فى حيص بيص، بمعنى إننا نصبح فى ورطة حقيقية إذا ما تصورنا أن هذا الوصف يمكن ان يكون محلاً للتطبيق_ ولاسيما من جانب المتشددين الذين يحلمون بالسلطة _ فساعتئذ لن يخشى " محمد حجازى" ومن فى موقفه فقط على حياتهم، ولا المسيحيون الذين تركوا الإيمان ثم عادوا إليه مرة أخرى، لكن كل مسلم سيخشى أن يطاله الإتهام بالردة والخروج عن الإسلام لكونه مثلاً لا يقيم الصلاة فى مواقيتها، أو لا يؤتى الذكاه أو لا يصوم نهار رمضان، وكلها من الفروض الواجبة فى الإسلام ..
وعقوبات الردة فى الفقه الإسلامى كثيرة، من بينها : التفريق بين المرتد وزوجته، وسلب ولاية المرتد، وتحريم ذبيحة المرتد.. لكن العقوبة الأشد والأخطر والتى تحى بنصيب كبير من الجدل الدائر هى عقوبة "القتل"، وهى أول ما ينصرف إليه الذهن عند الحديث عن "حد الردة"..ما يعنينا هنا أن حد الردة مُختلف عليه أصلاً بين فقهاء الشريعة، ويعارضه غالبية المثقفون والليبراليون ودعاة الحرية وحقوق الإنسان، الذين يرون أن حرية الإتقاد واعتناق دين معين حقاً أصيلاً للإنسان لا يمكن ان ينازعه فيه احد من الناس حكاماً كانوا أو رجال دين، ولا يختلف مع هؤلاء إلا القليلون من أمثال الشيخ البدرى ومن هم على شاكلته، والمنطوون تحت لواء الوهابية السعودية.. أما دعاة التنوير فلهم رأى جدير بالتوقف عنده والتأمل فى حيثياته..
العالم الجليل الأستاذ "الغزالى حرب" كتب مقالاً مطولا تحت عنوان "حد الردة فى الأسلام" جاء فيه:" على الرغم من انه ليس بعد الكفر ذنب ابت سماحة القرأن الكريم أن تشير من بعيد أو من قريب إلى جزاء المرتد بأكثر من عذاب الآخرة وكفى.. وأبى التلاعب والعبث بالإسلام على جماعة من المسلمين أيام الرسول (ص) إلا أن يؤمنوا بالإسلام ثم يرتدوا عنه ثم يؤمنوا به ثم يرتدوا عنه مُصرين أخيراً على هذا الإرتداد، فتركهم الرسول أحراراُ مكتفياً بقول القران فيهم ( من سورة النساء 137- 138 ) "إن الذين أمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهيدهم سبيلاً، بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً"..الصحابى عُبيد الله بن جحش بعد إسلامه وهجرته إلى الحبشة اعتنق النصرانية هناك، فما أهدر الرسول دمه ولا طالب النجاشى ملك الحبشة بتسليمه إليه ولا أوعز لأحد بقتله.. واعتنق النصرانية كذلك شابان، فشكاهما أبوهما إلى الرسول قائلاً : أأدع ولدىَّ يدخلان النار؟ فلم يقل الرسول مثلاً أقتلهما أو دعنى اقتلهما، إنما أسمعه الأية القرأنية ( 256 من سورة البقرة ) "لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغَي"..ويقول المجدد الإسلامى مولانا محمد على فى كتابه "محمد رسول الله" ما نصه:"ساد الإعتقاد بان الإسلام يأمر بإعدام من إرتد عنه، ولكن من يكلف نفسه مؤونة البحث والإطلاع على القرأن يجد أن لا وجود أصلاً لمثل هذا الزعم، والظاهر أن هذا الإعتقاد قد جاء من أن من أرتد من المسلمين عومل معاملة الأعداء فإذا ما حدث أن مرتداً قتل مسلماً فإن جزاؤه القتل لا على إرتداده ولكن على قتله النفس التى حرم الله قتلها"..وهنا يريد مولانا محمد على ان يقول: ان القول بقتل المرتد تسرب إلى المسلمين وكثير من فقهاؤهم عن طريق الخلط بين " المرتد المسالم" و " المرتد المعتدى" الذين جمعت بينهما الظروف والمصادفات اكثر من مرة..ويضيف الأستاذ الغزالى:"إن الأحاديث الواردة بقتل المرتد عن الإسلام، على التسليم بصحتها جدلاً لا تفيد القطع بقتل المرتد، لأنها أحاديث آحاد ومن الممكن بل من الواجب إما الإستغناء عنها بالقرأن الكريم كما قال الإمام "محمد عبده"، وإما التوفيق بينها وبين القران بحمل المرتدين المشار إليهم فى هذه الأحاديث على المرتدين المعتدين المفسدين فى الأرض.."ويختم الأستاذ الغزالى مقاله بهذه الكلمات:"لا تمتع بحرية، ولا تحرر من الفزع، مادام هناك إفتاء بقتل المرتد".."
أما الكاتب الكبير "مصطفى أمين" فكتب عدة مقالات بقلمه الرائع فى باب "فكرة" حينما كان الجدل على أشده فى السبعينات بشان إصدار قانون يوجب إعدام المرتد عن الإسلام، ففى عدد 7/8/1977 من جريدة الأخبار كتب يقول:"حمدت الله ان القانون الذى وافق عليه مجلس الدولة بإعدام المرتد عن الإسلام لم يصدر من سبعين سنة.. يجب أن نفكر ألف مرة ومرة قبل أن نُقر مثل هذا القانون... وأن نعلم انه قد يجيء مصر بعد عشر سنوات مثلاً طاغية يعتبر من يعارضه فى الرأى مرتداً أو من يطالب بالحرية كافراً، أو من ينقد تصرفاته زنديقاً يستباح دمه أو يجب رجمه بالحجارة المدببة!!.. الإسلام والمسيحية وكل دين سماوى ليس فى حاجة إلى مشنقة تحميه، ولا إلى سيف يقطع رقاب من يخالفونه، إنما فى حاجة لأن نشرح للشعب أجمل ما فى الأديان السمائية..إن من الصعب جداً أن تثبت على المرتد أنه مرتد، فالدين فى القلب وليس فى اللسان، ومن السهل دائماً أن تجد شهود الزور الذين يشهدون مع الحكام الطغاه عندما يريدون ان يتخلصوا من منافسيهم!.."وفى عدد 14/8/1977 من الأخبار كتب مصطفى أمين ما نصه:"الشعب المصرى يحترم القانون، ولكنه يطالب بقوانين تتفق مع روح العصر.. وإلى أن تتحقق شروط المجتمع الإسلامى فلا يجوز أن تبدأ بقطع اليد، وإلا سيجيء يوم يطالب فيه الشعب بقطع يد الذين يطالبون بتطبيق هذه القوانين قبل أن يوفروا للشعب ضرورات الحياة"..
هذه بعض الأراء المستنيرة لكُتاب مسلمين مسالمين يقدسون حرية الإنسان وحقوقه ويرفضون إستبدالها بافكار رجعية منغلقة ومتشددة تكبل المجتمع بقيود لا تخدم إلا مصالح المتشددين وانصار الفكر الوهابى.. وهذا ما نعتبره ردة حقيقة..!

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

المواطنة فى مصر منقوصة عندما يميز ابناء الوطن الواحد بينهم وبين بعض فهذا يعنى الغاء المواطنة

غير معرف يقول...

المواطنة فى مصر منقوصة عندما يميز ابناء الوطن الواحد بينهم وبين بعض فهذا يعنى الغاء المواطنة

غير معرف يقول...

المواطنة فى مصر منقوصة عندما يميز ابناء الوطن الواحد بينهم وبين بعض فهذا يعنى الغاء المواطنة

غير معرف يقول...

المواطنة فى مصر منقوصة عندما يميز ابناء الوطن الواحد بينهم وبين بعض فهذا يعنى الغاء المواطنة