الأحد، 24 أغسطس 2008

انتخابات المحامين و اللعب علي الهوية القومية والدينية

انتخابات المحامين و اللعب علي الهوية القومية والدينية

في خطوط متشابكة و حراك من خلف الكواليس بدأت معركة الانتخابات في نقابة المحامين علي النقيب و الاعضاء و لعل نقابة المحامين و ما يجري فيها تختلف عن اي نقابة اخري في مصر فاذا كانت باقي النقابات مثل الاطباء او التجاريين او الزراعيين او الصيادلة يكون همها في المقام الاول هو تنظيم هذه المهنة و تحسين اوضاع اعضائها و غالبا ما يتقرر ان يكون لتلك النقابات ثمة دور او انخراط في الحياة العامة و خاصة الحياة السياسية لكن نقابة المحامين يختلف دورها تماما اذ هي الاضافة الي كونها من أغني النقابات المهنية في مصر من حيث الموارد اذ ان ميزانيتها تربو علي اكثر من مليار جنيه فلم نجد نقابة في الدنيا يكون بداية اشتراك الخريج الجديد الفا و أربعمائة جنيه فضلا عن ان رفع طوابع النقابة و اتعاب المحاماة في الفترة الاخيرة و الرسوم المفروضة علي عقود نقل الملكية و انشاء الشركات خاصة و ان نقابة المحامين لا يقل عدد اعضائها عن نصف مليون محام و لكون نقابة المحامين بحسب انتمائها لمهنة القانون و الدراسات الحقوقية فارتبطت منذ نشأتها بالدفاع عن الحريات و ابداء رأيها في الامور العامة و خاصة الامور السياسية فكانت لعراقة نقابة المحامين و منذ الثلاثينات و الارعينات حيث كانت اصوات زعماء مصر و الذي تبوأ كثير منهم مناصب الوزارات و الخارجية و كبار الساسة و القادة كانوا من مدرسة هذه النقابة و لقد شهدت قاعة لجنة الحريات في النقابة رموز المحامين 1919 و منهم
الهليادي باشا - كامل يوسف صالح - فتحي جندي - مصطفي البرادعي
كامل صدقي - احمد الخواجة - مرقص حنا باشا - محمد علي عليوة
مكرم عبيد باشا - عبد الفتاح الشلقاني
للدفاع عن الحريات لم يشهدها اي منتدي عالمي لكن و منذ عقدين من الزمان او اكثر قليلا تدهور الحال كثيرا في النقابة و تدنت احوالها و تغيرت ايدولوجيتها فغزي النقابة اصحاب الفكر المتطرف من ناحية و من ناحية اخري
-2-
من يسمون انفسمهم المدافعون عن القومية العربية تخلت النقابة عن مضمونها الليبرالي و فرغت مدرستها من بروز القادة و الساسة وأئمة الفكر و
الثقافة و رواد الحرية و اصبحت النقابة عبارة عن جزر منعزلة حتي داخل المجلس المنتخب فتشتتت قلعة الحريات فظهرت المجالس التي يسيطر عليها التيارالاخواني و ظهر فريق تغليب فكرة القومية علي الهوية المصرية و يفخر بأنه قومي علي حساب الحريات فطوال عقدين الزمن عقدت النقابة مؤتمرات لا حصر لها للدفاع عن القضية الفلسطينية و عن قادة حماس و عن حزب الله و عن البوسنة و الهرسك و كان الاهتمام بما يسمي اتحاد المحامين العرب اكثر من الاهتمام بقضايا الحريات و الاحزاب السياسية و راح فريق اخر يعقد مؤتمرات و كان همها الدفاع عن قضايا الاخوان المسلمين و لعبت لجنة الشريعة في النقابة دور بالغ الخطورة في تديين النقابة و ابعادها عن الهدف الاساسي لها و هو ترسيخ الحريات و الدفاع عنها و لم و لم نسمع في اي نقابة في العالم تكون مهنة شئون اعضائها ان توجد فيها لجنة دينية و التي وصمت هذه النقابة بالعنصرية و اتذكر ان لجنة للشريعة المسيحية مع العلم بأن قانون المحاماة لايوجد فيه نص واحد يجيز انشاء لجنة احد المحامين الاقباط كان منذ خمس سنوات اقام دعوي بألغاء هذه اللجنة أو انشاء دينية او لجنة شريعة .
فكان اهتمام النقيب و من ينتمون اليه من مجلس النقابة و هم قلة اهتمامهم الاوحد بفرض القومية العربية و يحلو لهم عقد مؤتمراتهم في تونس و الاردن و لبنان و الفريق الاخر اعضاء النقابة كان مهموما و مشغولا بقضايا الاخوان المسلمين فلم اذكر ان عقدت نقابة المحامين مؤتمرا واحدا فقط عن المواطنة مثلا كما ذهبت الي تونس و الاردن أن ذهب مجلس النقابة ليعقدوا مؤتمرا لاحتواء احداث الكشح او ديروط او دير ابوفانا او عمال النسج في المحلة او عمال مصانع شبرا الخيمة فكما لو كانت قضية المواطنة في مصر لا تخص مصر و لا تخص نقابة المحامين لان اصحابها من كوكب او بلد اخر تغلب الاهتمام القومي العربي و الهوية الدينية علي فكرة ترسيخ الهوية المصرية فاصبح الاهتمام بمسلمي البوسنة و الهرسك و حزب الله و حماس اكثر من الاهتمام بمسائل الاحتقان الطائفي في مصر و اكثر من الاهتمام بتغير ثقافات و استحداث قوانين يمكن ان تشكل و ترسخ وجدان المصريين من حب الانتماء الي مصر الام و الوطن و بدلا من ان يكون الاهتمام ترشيح النقيب و هو
-3-
منصب رفيع المستوي لانه يمثل ريادة الديمقراطية و الحرية فيكون الاختيار علي اساس مقومات تؤكد إيمانه بقضايا الحريات في مصر اصبح اختياره يقوم
علي فكرة انه ليس بالامكان احسن مما كان و علي شاكله شالوا الدو حطوا شاهين أو الاتنين مش نافعين .
و من ناحية اخري راح الاخوان ينظمون صفوفهم من اجل ان يحظي مثلا لهم في ان يكون نقيبا لهذه القلعة الباكية الحزينة فبعدما فشل الاخوان في الوصول الي السلطة من خلال كتلتهم الاخوانية في مجلس الشعب و التأثير في اتخاذ القرار او صدور القوانين اصبح كل همهم هو الوصول الي تلك الاهداف من خلال اختراق النقابات و السيطرة علي مجالسها و لعل ما يؤكد كلامي هذا ما اثير من ضجة في خلال اليومين الماضيين من صدور قرار نقابة الاطباء و يتكون معظم قادتها من السكرتير العام و الامين العام من القيادات الاخوانية صدور قرارها بحظر نقل الاعضاء البشرية من المسلم الي المسيحي او العكس و قامت منظمتنا بتنظيم حملة رائعة و قوية و شرسة مهتمة في ذلك التأكيد علي المواطنة و البعد عن العنصرية و ان قرار النقابة فيه تقويض للمواطنة و الوحدة الوطنية مما كان من السيد النقيب الي ان تراجع أمس عن هذا القرار زاعما انه كان مشروع قرار رغم انه ظهر معنا علي برنامج 90 دقيقة يحدد درجة القرابة علي اساس الدين في نقل الاعضاء البشرية .
المهم بدأ الاخوان المسلمون يعيدون بشكل منظم و أنا اشهد لهم بهذا التنظيم المتناهي في الدقة من اجل الوصول بنقيب يمثلهم و يعتلي كرسي النقابة لمدة خمس سنوات مقبلة كل ذلك بهدف ابعاد مصر عم مفهوم الدولة المدنية وجدوا في نقابة المحامين اقوي قناة نقابية للوصول الي هذا الهدف و تغليب الدين علي عامل الهوية المصرية و لكن لما كان الحراك الدائر الان و المساجلات علي صفحات الجرائد و خاصة من رشحوا انفسهم كنقيب للمحامين هذا السجال و الذي وصل بين اثنان منهما الي حد اعتبار احدهم اخوانيا متأسلما والثاني قوميا عربيا ناهيك عن كشف المستور و الدخول في الاعراض و الاتهامات الشخصية و بطبيعة الحال ان جزءا كبيرا مما لا يمكن اغفاله فانكشفت الهوية الامور فطبيعة الحال كان لزاما علي جموع المحامين و هم اصحاب الكلمة في اختيار النقيب و مجلس النقابة ان يقفوا كثيرا مترويين و مفكرين مليا في اختيار من يصلح لان يعود بالنقابة و يعيد لها امجادها حينما كان يقف علي
-4-
منبرها قادة الحريات وزعماء الكلمة و الذين كانت الدولة تقيم لهم الف حساب لانهم يعلنون مصلحة الوطن مصر علي اي مصلحة اخري ونحن نثق و بحق في شيوخ المحامين و شباب المحامين من انهم يستطيعوا ان يختاروا نخبة لتصل النقابة الي سابقة عهدها التليد و المجيد
لا نريد ان تحكمنا في اختيار النقيب او اعضاء المجلس القادم اية دوافع حزبية او سياسية او انتماءات دينية او مذهبية او قومية او عربية او بوسنية او حماسية و انما نريد ان يكون نقابة المحامين مدعاة واستلهام للحرية و التأكيد علي ان الديمقراطية و المواطنة هما جناحا الدولة المدنية في مصر .

و لكن ينبغي السؤال الذي مازال حائرا هل ان الدولة التي رغبت في وجود الناصريين و الاخوان أم لا

بقلم
د. نجيب جبرائيل

ليست هناك تعليقات: